سورية بين حلول التقسيم و «الفدرلة» الروسية

mwafq-katt-tak-syria-car-rozana

سميرة المسالمة

تتطور لغة الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا من جلسة إلى أخرى في مجلس الأمن، خلال تقديم إحاطته حول العملية التفاوضية بين الأطراف السورية، فقد انتقلت من الآمال العائمة بداية، إلى وضع السيناريوات لاحقاً، ومن ثم بعد تسليم واشنطن الملف السوري إلى موسكو أصبحت لغة تقرير واقع واستحقاقات مستقبلية، قد تتأخر أحياناً في الظهور إلى حيز التنفيذ، لكنها في وقت لاحق تصبح أهم البنود التي على الطرفين السوريين مناقشتها، وإيجاد الآلية لتنفيذها. مثال ذلك ما طرحه دي ميستورا بداية توليه الملف السوري (2014) عن تقسيم العمل إلى ورشات، ثم أصبحت سلالاً، انشغلت جولات جنيف التفاوضية بها، وهي تعالج قضايا الحكم غير الطائفي والإرهاب والدستور والانتخابات، بعد الاستفادة من هدنات محلية اقترحها ولم يوفق في الحصول على الموافقة عليها، إلا أن النظام استفاد من اقتراح الوسيط الدولي، وعمل مع إيران على عقد تلك الهدنات التي أنتجت توسعاً للنظام في أكثر من مكان، منها منطقة الريف القريبة من دمشق وحمص.

وفي خطوات لاحقة، وبعد إعلان «الهيئة العليا للمفاوضات» من لندن، رؤيتها للحل في سورية، سارع دي ميستورا إلى طرح اقتراح جديد، مرة عبر المفوضية الأوروبية، ومرة من خلال لقاءاته المباشرة مع قيادات المعارضة، وهو ينقلب على رؤية لندن من حيث شكل الحكم من رئاسي إلى برلماني، ومن لا مركزي إلى حكم المجالس المحلية (فيديرالية مخففة). واليوم بعد تحرير الرقة من «داعش» على يد «قوات سورية الديموقراطية»، المدعومة أميركياً، وذات الصلات الوثيقة بروسيا، يعود الحديث عن المجالس المحلية لحكم المناطق، عبر تصريحات من أعلى المسؤولين الدوليين، مثل الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وعلى رغم أن مقدمات دي ميستورا للمعارضة كانت واضحة بضرورة إعادة النظر في ما قدمه رياض حجاب المنسق العام لهيئة التفاوض في لندن، (وتم الاعتراض عليه رسمياً من المجلس الوطني الكردي المنضوي في الائتلاف وفي الهيئة العليا للتفاوض التي صاغت الرؤية)، فإن المعارضة مضت في تقديم نفسها من خلال مشروعها الذي يتناقض مع مبدأ تغيير النظام، لتكون شريك النظام في الاستراتيجية الحاكمة ذاتها، من حيث تدري أو لا تدري.

وتشير اليوم نتائج الاتفاقيات التي عقدتها روسيا من خلال مفاوضات آستانة، أو عبر اتفاقيات منفصلة للغوطة، تحت مسمى «المناطق المنخفضة التصعيد»، وكذلك المعارك التي أدارتها الولايات المتحدة في الشمال ضد تنظيم «داعش»، من خلال كرد سورية، إلى أن مرحلة العمل بدستور النظام 2012، أو وفقاً لرؤية المعارضة (أيلول- سبتمبر 2016)، قد انتهت حيث لا يمكن العمل بنظام المركزية المتشدد للنظام، ولا بإقصاء مكون الكرد من معادلة سورية الجديدة للمعارضة. ولعل هذا يستدعي إيجاد رؤية سياسية جديدة، متوافق عليها بين كل الخصوم، ومتحللة في الوقت ذاته من مركزية العاصمة لمصلحة مناطق حكم ذاتية، تحت مسميات لا يزال كل من النظام والمعارضة يستصعب الاعتراف بها، وهي في شكل أو آخر تندرج في مستويات وأشكال متعددة من النظم الفيديرالية المعمول فيها في دول عدة.

لا شك في أن ما قامت عليه اتفاقيات آستانة من حلول جزئية، وتقسيم سورية إلى مناطق نفوذ دولية (روسيا- إيران- تركيا- الولايات المتحدة الأميركية) لم يكن بعيداً من رؤية متكاملة للحل في سورية، كانت وضعته الديبلوماسية الروسية، وحاولت فرضه مراراً، قبل آستانة من خلال دخولها في الصراع المسلح رسمياً في سورية (في أيلول 2015)، أو من خلال جملة لقاءاتها مع مسؤولين أميركيين وأوروبيين، وصاغته عبر دستور أعدت نسخته في موسكو، وتم الترويج لرفضه من فصائل المعارضة في آستانة، علماً أن مضامين الاتفاقات الحاصلة تؤسس قاعدة لقبول سورية فيديرالية غير مركزية، وأن الآليات التي تعتمدها الفصائل العسكرية المعارضة في سيطرتها في مناطق نفوذها («المناطق المحررة») تتوافق مع ذلك.

هكذا فإن خشية روسيا من تقسيم سورية، التي عبر عنها بوتين، هي مقدمة للعمل على الحل الذي يتوافق مع إرادة ترامب في دعم مناطق الحكم المحلية، والتي تتساوى في الفهم مع المطلب الأوروبي في «فدرلة سورية»، أو «حكم المجالس المحلية»، وهو ما يعبر عنه بوضوح مصطلح «سورية المفيدة» للنظام، وما تنفذه فعلياً الفصائل المسلحة التي تسيطر على مناطق متفرقة من سورية، حيث تتخذ قراراتها كسلطة مفوضة غير مرتبطة ببقية المناطق المحررة، بينما تصرخ في بياناتها رافضة الفيديرالية، تحت ذريعة أنها مطلب أكراد سورية، وأن هدفها انفصالي، في الوقت الذي ترفض هي العودة إلى مرجعيتها السياسية في الهيئة العليا للتفاوض، والتي أصبح عملها لاحقاً لعمل الفصائل وليس متكاملاً معها.

وأمام استحقاقات مفاوضات آستانة، أي المسار الموازي الذي ابتدعته موسكو منذ مطلع هذا العام، ومفاوضات جنيف، التي مهد لها الوسيط الدولي بخريطة طريق وفق المفهوم الروسي- الأميركي للحل السوري، يبقى استحقاق المؤتمر الوطني للمعارضة السورية، الذي ترحب به موسكو، وتتجاهله واشنطن حالياً، وتحتفظ به كخط رجعة لها إلى الملف السوري عبر مفاوضات جنيف. يبقى هو خط النهاية الذي يجب أن تقف المعارضة عنده، لتحدد هويتها ومطالبها وخريطة الطريق إليها بعيداً من الدعاية الإعلامية التي عودتنا عليها.

وبينما تقدم روسيا من خلال جولة آستانة المقبلة بادرة حسن النية، بفتح ملف المعتقلين ولو نظرياً، للتلويح بقدرتها على فرضه على النظام السوري، تبدو مناطق خفض التصعيد في أسوأ حالاتها، حيث الاختراقات من جهة والجوع يحاصرها من جهات عدة، والغوطة مثال، وتقدم روسيا للتداول مساراً آخر تستثمر فيه جهودها في العامين الماضيين في إنشاء «الهيئات المحلية»، التي قامت عبر قاعدة الهدنات التي عقدتها في بعض مناطق المعارضة، وتضعه كفزاعة أمام المعارضة الحالية تحت مسمى «مؤتمر الشعوب السورية».

مع الانتباه إلى توقيت إطلاق هذا التصريح وفي خضم كل التعقيدات، لا بد من الاعتراف أولاً أنه بات من الصعب تجاوز واقع تقاسم مناطق النفوذ في سورية. ثانياً، أن المعارضة السياسية والعسكرية هي الطرف الأضعف في هذه المعادلة، وأن عليها أن تدرك ذلك وتواجه واقعها الذي تتحمل مسؤوليته. وثالثاً، وهو الأهم أن الولايات المتحدة لم تقل كلمتها بعد، لذا فلا شيء محسوماً، لكن أيضاً لا شيء حتى الآن يخالف إرادتها. رابعاً، لم يعد ترقيع النظام مجدياً، بعد فقدانه سيادته وتآكل قدرته على السيطرة واستنزاف موارده، لذا لا بد من تغيير سياسي في سورية حتى ولو كان بهذا القدر أو ذاك، لاستعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي واستعادة السوريين بلدهم، ومن ثمّ استعادة مقاصد ثورتهم والعمل عليها في مساحة من الأمان والاستقرار.

المضدر: الحياة

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

النصر المستحيل في سورية

3ca32dbc-14051612_m2

غازي دحمان

لا نصر محسوماً في سورية. لا طائرات بوتين تستطيع إنجاز هذه المهمة، ولا تراجعات أميركا يمكن أن تحقّقها، ولا حتى كل خزان إيران البشري. كل ما يمكن تحقيقه لا يتعدى تحسين مواقع طرف أو تحالف في المعادلة، ثم إن الانتصارات في مثل هذا النمط من الصراعات لا يمكن لها التمظهر إلا بعد ثبوت المتغيرات في شكل نهائي، وهذه تأخذ زمناً طويلاً قد يصل إلى عقد وأكثر.

ثمّة من يستعجل إعلان نصر طرف في الحرب السورية، هو في شكل واضح نظام الأسد تحديداً، بناء على سيطرته على بعض المواقع، ولا شك في أن هذا معطى مضلل كشفته خبرة تجارب السنوات الماضية، ذلك أن النظام تراجع إلى حدود السيطرة على أقل من 15 في المئة من مساحة سورية، وقد يستعيد السيطرة على غالبية سورية بفضل تضافر ظروف موضوعية لمصلحته في هذه المرحلة من دون أن يعني ذلك انتصاره، فطالما بقيت هناك ثورة سيبقى هو تحت الخطر، وشروط استمراره تختلف عن شروط استمرار المعارضة ضده، فالثورة لديها مرونة أكبر ومن الممكن أن تتحول الى أشكال أقل كلفة ولا تحتاج الى انتشار واسع، في حين أن النظام يحتاج شروطاً وبيئة مختلفة، ميزتها الأساسية الكلفة العالية.

يؤثر ذلك بالضرورة على رهانات الطرفين، والرهانات هي المحركات الأكثر قوة في ديمومة الصراع، وإذ تتطلب رهانات الأسد إيجاد بيئة ملائمة للقضاء على معارضيه، تتوافق مكوناتها الخارجية والداخلية على تحقيق هذا الهدف، وتوفر له الموارد اللازمة، وهذا مستحيل في بيئة متطلبة، في مقابل أن رهانات معارضيه أقل اتساعاً وأخفض تكلفة، تبدأ من الرهان على اغتيال رأس النظام، وصولاً إلى تغير في الموقف الدولي، وهي رهانات تبقى قابلة للتحقق.

استعادة السيطرة على حلب، التي يضعها المبشرون بانتصار النظام أيقونة لمؤشراتهم، قد تكون أنهت وجود كيان منافس لكنها لم تنهِ الثورة. كل مرحلة ستكون ولادة لنمط مختلف من الصراع لن تتكشف ملامحه لأنه سيكون استجابة للمتغيرات وتكيفاً معها.

النصر مستحيل لأن الأمور في سورية لا يمكن معالجتها من فوق الى تحت، فلا يكفي أن يتحصّن الأسد في دمشق ولا أن تقبل بعض الدول ببقائه لحل الأزمة او تسويق ذلك كعلامة للنصر. القضية مرتبطة بملفات أعقد، تشمل اللاجئين، دمج عشرات إن لم يكن مئات آلاف المقاتلين في القوات المسلحة، إعادة الإعمار، مصير المعتقلين والمفقودين. كل واحدة من هذه القضايا هي عنصر تفجير ما لم يتم حلّها بتوافق وطني ونتيجة رضا كل الأطراف، أو على الأقل توافقها على نوعية التنازلات ومستوياتها ومحتواها.

النصر مستحيل، لأن البعد العسكري بعد واحد في أزمة معقدة، والحل ليس مع الفصائل المسلحة التي لم تكن سوى تعبيرات إجتماعية عن موقف مقاوم للنظام. المشكلة مع المجتمع نفسه الذي اتخذ قرار إطلاق شرارة الثورة ثم تحمّل كلفة احتضانها والسير بها ودفع ثمنها، وهو اليوم ينتظر حصاد الغلة وليس القبول بحلول ترجعه إلى واقع أسوأ من الذي ثار عليه.

صحيح أن السوريين تعلموا من ثورتهم درساً في السياسة فحواه انه لم يعد ممكناً سقوط الأنظمة بالقوة ولا حتى بالثورات، وها هي مصر وتونس تعيدان إنتاج أنظمتهما القديمة، فلكل نظام شبكة علاقات كما أن له منظومة يرتبط بها، لكن السوريين يعرفون أيضاً انهم أصبحوا طرفاً تفاوضياً، وأنهم استعادوا تعريف الدولة وفق ما نصت عليه كلاسيكيات العلوم السياسية، شعب، أرض، وسلطة، وبالتالي فإنه إن لم يكن ممكناً إسقاط رأس النظام اليوم، فإن الشعب صار جزءاً من المعادلة التي على أساسها ستعاد هيكلية السلطة وشكل الدولة.

ولا يصلح هنا الرهان على تعب طرف واحد. الجميع، بمن فيهم اللاعبون الكبار، وصل إلى أعلى مستويات الإنهاك. لقد خاضوا حرباً قاسية واشتغلوا بأقصى طاقاتهم للوصول إلى هنا، وكلهم يتمنون أن تكون المرحلة المقبلة مرحلة استثمار لما يعتقدون أنهم أنجزوه، وليست مواصلة للحرب بطرقها القديمة، وروسيا نفسها التي تعتبر المشغّل الأساسي للحرب خفّضت حركة طائراتها لاعتقادها أنه لا يمكن الاستمرار بنفس النمط السابق، وأن المرحلة التي ستلي القضاء على التنظيمات المتطرفة ستكون لها حساباتها واستحقاقاتها.

النصر يصبح ممكناً في الصراع السوري، فقط إذا تم توزيعه على الجميع، بحيث تشعر جميع الفئات والطبقات والطوائف أنها حققت، من زاوية نظرها، ما يلبي مصالحها ويهدئ مخاوفها، إن لم يكن كلها فالجزء الأساس منها. فكل السوريين صار عندهم بنادق وقناصون، والصومال وأفغانستان هما تجربتان حيّتان لأطراف استعجلت يوماً إدعاء نصرها.

المصدر: صحيفة الحياة

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

السفير (فان دام): النخبة العلوية الحاكمة لا تسقط إلا بحربٍ دمويةٍ

من خلال دراسته لبنية الحكم البعثي الذي أرسى أركانه حافظ الأسد، قال منذ عام 1995 “إن أي محاولة لإزالة الحكم البعثي الذي تسيطر عليه نخبة من العلويين في سوريا، ستكون ذات نتائج دموية”، ليصدقه القول أتباع بشار الأسد حين واجهوا ثورةً دعت للإطاحة به بشعار “الأسد أو نحرق الولد”، مترجمين أقوالهم أفعالاً فقتلوا مئات الآلاف، وهجّروا ملايين البشر من بلادٍ محترقةٍ يتربع حاكمهم على حطامها.

السفير والمستشرق الهولندي نيكولاس فان دام، الذي نشر عام 1995 كتاب “الصراع على السلطة في سوريا” لأول مرة باللغة العربية، قال منذ ذلك الوقت إن نخبة السلطة في سوريا باتت أكثريتها من العلويين، مشيراً إلى أنّ 90 في المئة من الضباط البارزين في الجيش كانوا من طائفة حافظ الأسد فقط.

كان “فان دام” المبعوث الخاص لهولندا إلى سوريا، وسفيراً في إندونيسيا وألمانيا وتركيا ومصر والعراق، وعمل دبلوماسياً في ليبيا ولبنان والأردن، وشمل عمله أيضا الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.

أصدر الدكتور نيكولاوس فان دام الذي يعتبر واحداً من أهم الخبراء الأجانب في الشأن السوري، كتاباً جديدا عن سوريا مؤخراً بعنوان “تدمير شعب: الحرب الأهلية في سوريا”، وتحدث فيه عن سبب الحرب السورية المحتومة التي أعقبت ثورة 2011، آخذاً بالحسبان السلوكيات المبكرة “والخاطئة” للنظام.

ووفق الكتاب، فإن نظام “بشار الأسد” تخيّل أن بمقدوره قمع الثورة السورية في عام 2011 باستخدام القوة الوحشية، كما نجح في فعل ذلك كما نجح بذلك والده حافظ الأسد خلال مناسبات سابقة، لكن هذه المرة كان الوضع مختلفا تماما، وقد شجع العنف الذي مارسه النظام على مواصلة الثورة، لقد تحطم جدار الخوف والصمت في سوريا، وقد استمد الكثير من المتظاهرين السوريين المسالمين الإلهام من تطورات الربيع العربي في دول أخرى بالمنطقة التي بدت لهم واعدة في بداياتها، نظرا لتغيير النظام في مصر وليبيا وتونس.

قبل 10 أعوام زار السفير “فان دام” مدينة حلب، وألقى محاضرةً في القنصلية الهولندية، حيث التقته “كلنا شركاء” وأجرت معه حواراً تحدث فيه عن اهتمامه بالشأن السوري ومحبته لهذا البلد وأهله، وأسهب في الحديث عن الكتاب الأول له عن سوريا وصراع السلطة الحاكمة في ذلك الوقت.

والآن بعد 10 سنواتٍ من لقائه الأول، أجرت “كلنا شركاء” اتصالاً بالسفير “فان دام” فتحدّث عن مآلات الثورة السورية والصّراع في سوريا، ومستقبل البلاد سواءً ببقاء النظام أو عدمه، وأبدى تشاؤمه من أن الحياة الطبيعية لن تعود إلى سوريا إلا بعد أجيال.

وإليكم نصّ الحوار كاملاً:

لماذا تم طرح الكتاب في هذا الوقت وماهي ظروف إطلاق الكتاب؟

بين الوقت الذي انتهيت فيه من كتابة الكتاب وبين نشره كان هناك بضعة أشهر، ولم يكن لدي نية في نشر كتاب آخر ولكن الناشر طلب مني أن أضيف بعض الأبواب إلى كتابي الأول “الصراع على السلطة في سوريا”، ولكن خلال الكتابة أخيرا اكتشفت أنه من الأفضل أن أشرع في كتابة كتاب جديد، وانتظرت ان تكون سوريا في مرحلة جديدة، ولكن في هذه الحالة علينا ان ننتظر مدة طويلة، فقررت أن أكتب كتاباً جديداً، فليس هناك ظروف خاصة، فعادة لا تكتب عن التطورات الجارية. هذا صعب قليلا، ولكن طريقة الكتابة هي طريقة تحليلية وليست وصفية فقط.

أضفت إلى كتابي الجديد عدة أبواب منها أبواب تمهيدية، لأنه من المفيد للقارئ الذي يريد أن يفهم الوضع اليوم أن يعرف تاريخ الحكم البعثي وتكوين النظام، ما استحق كتاباً جديداً.

والآن لي كتابان، الأول من حكم البعث حتى الثورة، والثاني بعد قيام الثورة ويحوي عدة أجزاء تحلل الوضع في سوريا منذ بداية الثورة، وهو الكتاب الذي صدر مؤخراً.

قبل عقدين من الزمن تنبأ “فان دام” في كتابه “الصراع على السلطة في سوريا” بأن أي مسعى للإطاحة بالنخبة السورية الحاكمة التي يهيمن عليها أشخاص من الطائفة العلوية تؤدي إلى أعمال عنيفة دامية للغاية، هل كانت هناك طرق أو إمكانية لإقصاء النخبة العلوية في سوريا دون اللجوء للسلاح؟

ما كان هناك أية إمكانية لإقصاء النخبة العلوية من دون عنف، فتنبّهت قبل 20 عاماً أو أكثر إلى أنه لا إمكانية لتغيير الحكم أو إسقاط الحكم إلا بحرب دموية للغاية، وهذا ما حدث ولكن دون إسقاط النظام.

الأشخاص الذين يسيطرون على مفاصل النظام الحساسة أكثرهم من الطائفة العلوية، ولكن هذا لا يعني أن النظام نظام طائفي، إلا أنه نظام ديكتاتوري، والدكتاتورية تُطبق على كل سوريا بما فيها اللاذقية وطرطوس، يعني الديكتاتورية مطبقة على العلويين أيضاً، وهم مضطهدون كباقي فئات الشعب السوري الأخرى، إلا أولئك الذين ينتمون للنظام.

العلويون يعتبرون أنفسهم مهددين من قبل الآخرين، فأصبح هناك استقطاب طائفي، وبالتالي إقصاء الحكم صعب جداً، كان هناك إمكانية – نظرياً طبعاً – لثورة داخل النظام، إلا أن هذا النظام حصل على نصف قرن من التجربة ليقوي فيها الحكم، لكن منذ حكم حافظ الأسد لم يكن هناك مراكز قوى بشكل عام، وأي شخص تدور حوله الشكوك تتم تصفيته، وتقريباً 90 في المئة من الضباط البارزين هم علويون، وحسب دراسة جديدة فمنذ تقريبا20 سنة كان في الكلية العسكرية 90 في المئة من الطلاب من العلويين، هذا لا يعني أنهم كلهم تابعون للنظام، لكن في هذه الظروف الضباط العلويون أقرب للنظام فيما لو كانت الظروف عادية.

بعد كل هذه الدماء التي نزفت من كافة المكونات السورية، هل ستبقى النخبة العلوية؟

لا نستطيع أن نقول إلى الأبد، لكن صعب جداً، يعني يجب أن تسقط أكثرية الضباط البارزين وهذا صعب جدا. العلويون داخل النظام لا يريدون أن يتخلوا عن السلطة خوفاً من إسقاطهم فيما بعد، ومن هذه الناحية سوريا نوعاً ما في حلقة مفرغة.

وكما قلت سابقاً، الآن مجموعة من العلويون تسيطر التي تسير على الوضع في سورية، ومن المحتمل في فترة أخرى أن يسيطر أناس من مناطق او طوائف أخرى.

كل شيء مرتبط بالقوة العسكرية، فالفئة التي لا تملك القوة العسكرية ليس لديها النفوذ الكافي، لأن كل شيء في هذا النظام مرتبط بالقوة العسكرية وليس بالمفاوضات.

النخبة العلوية الحاكمة وحسب المعطيات الحالية في ظل تفرق المعارضة، ستستمر بشكل أو بآخر.

هل ترى في المستقبل بعد انتهاء المرحلة التي نعيشها في سوريا ستقوم النخبة بتعزيز قبضتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية أكثر مما كانت عليه قبل الثورة؟

المعارضة لا تثق بالنظام والنظام لا يثق بالمعارضة، فالآن النظام متماسك أكثر من الماضي، وهذا لا يعني أنه سيستمر للأبد.

جاء في الكتاب أن إصرار الغرب والعرب على رحيل بشار الأسد شكل عقبة خطيرة أمام إيجاد حل للسلام، فالمطالبة بشرط مسبق بإقصائه من لعب أي دور في مستقبل سوريا السياسي، والوصول إلى المحاكمة أي الحكم عليه بالإعدام فعلياً، حجب أي احتمال لإجراء مفاوضات جادة. برأيكم هل هذا يعني أن أية مفاوضات مع النظام بشروط مسبقة لن تكون ناجحة؟

كل الأطراف لديها شروط مسبقة، هذا يتعلق بكيفية الشروط المسبقة.

النظام لا يريد أن يتخلى عن أي شيء يهدد موقفه السلطوي، وكل شيء يتعلق بمن هو الأقوى عسكرياً.

في هذه الظروف ليس هناك حل وسط، الحل الوسط للمعارضة أن يقبلوا بأشخاص من النظام أيديهم لم تلطخ بالدماء.

إذا كان هناك بعض الثقة بين الأطراف فهناك إمكانية لإجراء مفاوضات، إلا أنه حتى الآن لم يكن هناك مفاوضات أو مباحثات مباشرة في جنيف.

المعارضة تبدي نية حسنة ومن المفيد لهم أن يحصلوا على مفاتيح الدولة، والنظام يريد أن يبين أنه على استعداد للمفاوضات، إلا أن مواقف الطرفين بعيدة جداً عن بعضها البعض، لذلك يبذل المبعوث الخاص للأمم المتحدة دي مستورا كل الجهود تمهيداً للمفاوضات، إلا أنه حتى الآن المباحثات بين المبعوث الأممي والأطراف كانت منفصلة.

إذا وافق الروس والأمريكان على حل فهذا لا يعني أن هناك حل، بل يجب أن تكون هناك إرادة للحل عند الأطراف المعنية.

بحسب رأيكم تمسك المعارضة بشروط مسبقة سيؤدي إلى مفاوضات فاسدة وبالتالي استمرار حكم بشار الأسد الذي تسيطر قواته على مناطق واسعة في سوريا. هل سيكون مستقبل لسوريا وحياة طبيعية وعلاقات دبلوماسية مع الدول الأجنبية إذا ما استمر حكم بشار الأسد ونظامه الأمني؟

أظن أنه في الظروف الحالية لا يوجد هناك دول غربية تريد أن تعود إلى سوريا من الناحية الدبلوماسية، ولكن إذا استمر النظام فترة طويلة ممكن بإعادة فتح العلاقات، إلا أن ذلك يأخذ وقتا، فإعادة علاقات الدول الأجنبية مع النظام يعني تخليها عن مبادئها، وهذا يعتمد أيضاً على المصالح، وممكن أن تبقى سوريا منعزلة مدة طويلة، هذا هو الواقع.

مع النظام أو دونه، مستقبل سوريا صعب جداً، فالمجتمع ممزق، وحتى لو كان هناك نظام آخر أعتقد أنه سيكون ديكتاتورياً، فإذا استولى العسكريون المعارضون على السلطة فهذا لا يعني أنهم سيركضون إلى البرلمان وسيعملون بالانتخابات. وأعتقد أنه حتى تعود الحياة طبيعية إلى سوريا سيستغرق ذلك أجيالا.

إذا استمرت النخبة العلوية في حكم سوريا، هل تتوقعون حدوث ثورات واحتجاجات مستقبلية؟

مادام هناك دكتاتورية واضطهاد، سواء من نخبة علوية أو نخبة سنية، فسيكون هناك ثورات، ولكن الثورة الحالية حتى الآن غير ناجحة.

لم تشهد سوريا ثورات منذ العام 1970 تقريباً وحتى العام 2011، وبعدها بدأت الثورة بمظاهرات سلمية خرج بها الشعب، ولم تكن مسلحة، ولكن فيما بعد فالقوى الإسلامية المتطرفة استولت على الثورة في سورية، وسيطرت على المعارضة بشكل عام.

تتعرض في الباب الثالث من الكتاب إلى عدم جدية الدعم الأوروبي والدولي للمعارضة. هل تتحمل أوروبا والدول التي دعمت المعارضة في بداية الثورة وتراجعت عن دعمها، هل تتحمل مشاركة المسؤولية في حصيلة القتلى الضخمة والدمار الذي نجم عن الحرب السورية؟

بغض النظر بما أن النظام يحمل المسؤولية في الدرجة الأولى، وأنا شخصياً أظن أن الدول الغربية تتحمل مسؤولية المشاركة بتطورات الأزمة السورية، وحتى الآن لم تعترف أي منها بهذه المسؤولية، لأن الدول الغربية تظن أنه كان لديها نيات طيبة، إلا أنها كانت حيادية، يعني إذا أردت أن تصل إلى هدف ما يجب أن تستعمل الوسائل الضرورية، وإذا كانت هذه الوسائل غير كافية يجب أن ينخفض هذا الهدف حتى تتناسب مع الواقع على الأرض ، والذي حدث هو أن الدول الغربية تريد إقصاء بشار الأسد ولكنها لا تملك الإمكانيات الكافية، وشجعوا المعارضة في الاستمرار بالثورة دون أن يقدموا لها الإمكانيات، فباتت المعارضة تقاتل النظام دون أن يكون لديها أسلحة كافية.

سياسة الدول الغربية كانت سياسة بيانات وسياسة قرارات، وحتى مقررات الأمم المتحدة لمجلس الأمن ما كانت منفذة.

ضمن معطيات المشهد السوري الذي نتابعه يومياً، نلاحظ حدوث تغلغل إيراني وروسي كبير جداً في كل مناحي الحياة في سوريا، بما في ذلك الاقتصاد، فقد تراكمت ديون لروسيا وإيران ربما لعشرات السنين على أي حكومة ستأتي في دمشق، كل هذه الأموال سيتوجب على أي حكومة قادمة أن تدفعها لإيران وروسيا، وحصلت إيران حالياً على الكثير من “الامتيازات”. فهل الوضع الجديد لروسيا وإيران في سوريا سيشكل خللاً لتعاطي الدول في المنطقة، أو مخاطر على السياسة الأوروبية في الشرق الأوسط؟

الروس والإيرانيون حصلوا على موقف أقوى نتيجة الثورة، فلولا الثورة لما كانت روسيا بهذه القوة.

وبشكل عام أؤمن بأن أي تدخل عسكري مباشر أو غير مباشر سيؤدي إلى كارثة، سواء كان من الأمريكان أو من الروس أو من الإيرانيين أو غيرهم، فترى هذه المواقف الجديدة أو مراكز القوى الجديدة نتيجة هذه الحرب، فالآن النظام مرتبط بروسيا وإيران أكثر من الماضي، فسوريا أصبحت أزمةً ليس فقط بين السوريين ولكن بين الدول التي تؤيد الطرفين.

هل سيشكل الوضع الجديد الذي وصلت له روسيا على شواطئ البحر الأبيض المتوسط في سوريا، مخاطر على المصالح الأوروبية في المنطقة؟

حسب سلوكية هذه الدول، فعندي انطباع أن أمريكا ستتخلى عن المعارضة السورية نوعاً ما، فهي تهتم فقط بمحاربة “داعش”، والمنظمات الأخرى المرتبطة بتنظيم القاعدة مثل هيئة تحرير الشام. وهذا يعتمد أيضاً على ما تعنيه المصالح، فأصلاً الشرق الأوسط في فترة الاتحاد السوفييتي كان ممزقاً ومجزأ إلى مناطق نفوذ سوفييتية وأمريكية، وبعدها اختلف الوضع، وروسيا لم يعد لها دور كبير، ولكن نتيجة هذه الحرب أصبح الموقف الروسي أقوى نتيجة التدخل الغربي.

ماهي الرسائل والنصائح التي تودون ارسالها في الكتاب بشكل عام وللسوريين بشكل خاص؟

أظن أن أهم شيء هي الواقعية، طبعاً هناك الاختلاط بين الواقعية والمثالية ولكن من المهم أن تقبل كل الأطراف بالواقع، وهذا لا يعني أن تقبل بالهزيمة من طرف ما، ولكن يجب أن تقبل الواقع، فمثلاً هذه المفاوضات تسير على أساس الواقع وليس على أساس المثالية، وهذا أهم أمر.

حتى الآن الدول الغربية عاشت بأفكار خيالية، ولكن إذا كان لديك أفكار خيالية يجب أن تعرف كيف تصل إلى الهدف المنشود.

ماهي رؤيتكم لمستقبل الصراع على سوريا؟

سوريا كانت مستقلة والأطراف الأخرى لم تكن تتنازع على سوريا، ولكن الآن أصبح هناك صراع على سوريا بطريقة أسوأ بكثير مما كان عليه فترة الانقلابات التي تحدث عنها “باتريك سيل” في كتابه المشهور الصراع على سورية.

من المهم أن تترك الدول الغربية والشرقية سوريا لشأنها، ولكن حتى الآن لا أرى أن السعوديون مثلاً يتخلون عن سوريا أو الإيرانيون الذين يريدون ممراً إلى لبنان.

هذا النزاع سيستمر لمدة طويلة، ولكن لمصلحة السوريين ومصلحة كل دول المنطقة أن يتركوا السوريين وشأنهم.

كل القرارات في مجلس الأمن أو جنيف أو فيينا بخصوص سوريا أُقرت بدون وجود السوريين، كان هناك تنسيق مع أطراف سورية إلا أنهم لم يكونوا مرتبطين مباشرة بهذه القرارات، وذلك نتيجة عدم التوافق بين النظام والمعارضة، فسوريا فعلاً تمر بمأساة كبيرة، وكانت سابقاً في مأساة كبيرة فرئيس الوزراء الأسبق “صلاح الدين البيطار” في السبعينات قال في صحيفة الإحياء العربي : سوريا مريضة مريضة جداً، وتعيش محنة مآسات، لأنه كان هناك استقطاب طائفي، وقد نصح صلاح البيطار حافظ الأسد أن يقوم بالإصلاحات، وأن يكون أكثر ديمقراطية, ولكن حافظ الأسد رفض هذا بحجة ان الديمقراطية قائمة في سورية، وأن فيها الحزب الذي يضم نحو 550 ألف عضو ، بحسب قوله. وقد رفض أية اقتراحات أو نصائح من “صلاح الدين البيطار”، وكذلك بشار الأسد الآن يرفض كل ذلك.

d880d27c-5bf2-4c5b-85db-7252e2eb0de0

رابط الكتاب

المصدر: كلنا شركاء

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

تقسيم سوريا بسياسة الأمر الواقع

o-syria-map-facebook

عثمان ميرغني

ما يجري على الساحة السورية وحولها هذه الأيام أحيا الكلام مجدداً عن مخططات التقسيم، خصوصاً في ظل السباق المحموم بين الأطراف المختلفة لاقتطاع مناطق نفوذ استراتيجية، والمخاوف المثارة بشأن «مناطق خفض التصعيد» المقترحة، والتفاهمات الروسية – التركية – الإيرانية الأخيرة.
صحيح أن الحديث حول مخاوف التقسيم ظل يلازم الأزمة السورية منذ اللحظة التي تحولت فيها إلى حرب داخلية بأبعاد إقليمية ودولية، وصحيح أيضاً أن البلد بدا مقسماً بحكم الأمر الواقع منذ سنوات، وذلك مع تقطيعه إلى مناطق واقعة تحت سيطرة الأطراف المختلفة، لكن أحداث الفترة الأخيرة والتحركات المرافقة على الأرض أعطت الانطباع بأن الأطراف الدولية والإقليمية بدأت تتحرك فعلياً في اتجاه خطط تقود إما إلى التقسيم، أو إلى إبقاء سوريا في حالة من التمزق والاحتراب الداخلي والتجاذب الإقليمي والدولي لسنوات كثيرة مقبلة، أي إلى حالة عراقية أخرى، ولكن بصورة معدلة.
وأكثر التطورات اللافتة في الآونة الأخيرة كان السباق المحموم بين قوات النظام السوري وإيران وحلفائها من جهة، وبين أميركا وحلفائها من فصائل المعارضة السورية من الجهة الأخرى، للسيطرة على منطقة الحدود السورية – العراقية. فإيران لديها مشروع لإيجاد ممر يمتد من حدودها عبر العراق حتى مناطق الساحل السوري. فهذا الممر يعني أن يكون لها منفذ مفتوح للإمدادات من إيران إلى سوريا، يمكن أن يستخدم لاحقاً أيضاً كخط إمداد إلى «حزب الله» في لبنان.
وفي هذا الصدد، دعمت طهران بقوة ميليشيا «الحشد الشعبي» العراقي حتى أصبح قوة كبرى في العراق، على غرار «حزب الله» في لبنان، وإن كان يقل عنه كثيراً من ناحية التنظيم والانضباط والخبرة العسكرية والقتالية.
وعلى الجانب السوري، استثمرت إيران أيضاً كثيراً في دعمها لنظام بشار الأسد، كما عملت مع «حزب الله» اللبناني على بناء وتدريب قوات في سوريا تكون نواة مستقبلاً لما يشبه «الحشد الشعبي»، خصوصاً أن كل المؤشرات تدل على أن سوريا ستكون خاضعة مستقبلاً لتوازنات بين القوى والميليشيات المسلحة المدعومة من أطراف خارجية.
وعندما اندلعت معركة تحرير الموصل، فرض «الحشد الشعبي» لنفسه دوراً فيها. ومنها، انطلق أخيراً في اتجاه منطقة الحدود السورية، ليلتقي هناك مع قوات النظام السوري وحلفائه من الإيرانيين ومن «حزب الله» والمقاتلين المحليين، وكانت تلك خطوة مهمة في إطار وضع الممر الإيراني موضع التنفيذ. لكن «اللقاء الرمزي» بين هذه القوات على الحدود العراقية – السورية لم يمر مرور الكرام، فبدأت بعده سلسلة من الاحتكاكات مع المعارضة السورية المدعومة من واشنطن، كما قصفت القوات الأميركية قوات النظام السوري وحلفائه، بحجة منعهم من الاقتراب من قاعدة التنف التي تستخدمها القوات الخاصة الأميركية لدعم المقاتلين الموالين، ولمنع تسلل فلول «داعش» من العراق إلى سوريا.
واشنطن تريد أن تمنع بلا شك فتح ممر يربط من إيران إلى العراق وسوريا، واضعة في حساباتها أن إسرائيل تراقب الأمر بقلق أيضاً. وفي حين تعمل أميركا لمنع هذا الممر، فإن إسرائيل كثفت في الأيام الأخيرة غاراتها على مواقع القوات السورية قرب مناطق الجولان، لتوجيه رسالة لدمشق بأنها لن تقبل باقتراب إيران أو «حزب الله» من هذه المناطق، خصوصاً في ظل المواجهات الدائرة بين قوات النظام السوري والمعارضة في القنيطرة.
الأردن كذلك يراقب ما يحدث في منطقة الحدود العراقية، وعلى جبهة درعا الجنوبية، خصوصاً مع التقارير عن أن الحرس الثوري الإيراني بات يوجد في مطار عسكري سوري لا يبعد أكثر من 75 كيلومتراً عن الحدود الأردنية.
ما يحدث على هذه الجبهات لا يمكن فصله عما يحدث على جبهة معركة الرقة، والدعم الأميركي لقوات «سوريا الديمقراطية»، التي يشكل الأكراد عمادها، لكنها تضم أيضاً مجموعات عربية. فتركيا عبرت عن قلقها الشديد من تسليح الأميركيين لأكراد سوريا، ولوحت بأنها مثلما تدخلت في السابق لمنع تمدد الأكراد في الشمال السوري، خوفاً من أن يشجع ذلك حلم الفيدرالية الكردية، فإنها قد ترسل قوات مجدداً لمنع أي تمدد جديد لقوات حماية الشعب الكردية، المنضوية تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية. وبينما اتهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حلفاءه الغربيين، خصوصاً الولايات المتحدة، بممارسة الألاعيب، فإن حكومته قالت إنها تلقت تأكيدات من واشنطن بسحب الأسلحة المتطورة من الأكراد بعد معركة الرقة.
لكن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس صبّ ماءً بارداً على هذه التأكيدات التركية قبل يومين، ملمحاً إلى أن واشنطن قد تستمر في تسليح «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية حتى بعد استعادة الرقة من «داعش»، وكان رده على أسئلة الصحافيين: «دعونا نرَ، فالمسألة ليست وكأن القتال سينتهي بعد استعادة الرقة».
الرسالة من كل الأطراف أن سوريا لا تزال بعيدة كل البعد عن «خفض التصعيد»، بل إنها قد تكون متجهة نحو مرحلة أخرى من التصعيد والصراع لاقتطاع مناطق نفوذ، أو توسيع أخرى بما يعني عملياً خطوة أخرى نحو التقسيم… بسياسة الأمر الواقع.

المصدر: الشرق الأوسط

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

للقصة بقية – نزيف الطائفة

سلطت الحلقة الضوء على استخدام النظام السوري للطائفة العلوية ليبقى في الحكم، وتساءلت عن حجم النزيف البشري العلوي في هذه الثورة، وأين أخطأت المعارضة السورية في التعاطي مع الطائفة العلوية؟ تقديم: فيروز زياني تاريخ البث: 15/5/2017

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

كيف نمنع تقسيم سورية؟

1-888052

رضوان زيادة

تكثر التحليلات والاقتراحات داخل مراكز الدراسات في واشنطن حول كيف يمكن حكم سورية بعد انتهاء الصراع المسلح الدائر فيها، وتصب غالبية هذه التحليلات على فرضية تقوم على تقسيم سورية. البعض يذهب إلى الحد الأقصى بالمطالبة بالتقسيم الجغرافي وآخرون يقترحون تقسيماً مناطقياً على أساس حكم ذاتي، وربما كان آخر هذه الاقتراحات من معهد «بروكينغز» الشهير، إذ طلب مايكل اوهانلون مدير البحوث والسياسة الخارجية في المعهد «بأن تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة العديد من المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال سورية وشرقها». ورغم أنه يقر بأن الولايات المتحدة يجب «أن لا تقبل بأي حال من الأحوال الدول المستقلة السورية التي قد تنفصل رسمياً عن مركز البلاد»، فإنه يقر بأن «هذه المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي قد تساعد في بناء مرحلة انتقالية تضمن خروج الأسد يوماً ما من السلطة، وعندها يمكن أن ينظر مؤتمر دستوري بين السوريين في خياطة البلاد معاً في اتحاد أقوى».

ويضيف: «على النقيض من قضية كردستان العراق، فإن الولايات المتحدة سوف تصر على أن تكون هناك على الأقل اثنتان من مناطق الحكم الذاتي الكردي في سورية المنفصلة التي لن تتمكن من الانضمام أو الاستقلال بسبب وجود القوات التركية حالياً في سورية لضمان مثل هذا الفصل». ولذلك، يشير الى أن «على واشنطن أن تؤكد دعمها لهذا الوجود العسكري التركي إلى أجل غير مسمى داخل سورية، حتى بعد تحرير الأجزاء الشرقية في سورية من داعش، وذلك للسماح لأنقرة بمراقبة الأكراد وضمان استمرار انفصالهم إلى كيانين منفصلين. هذا الوجود التركي في شمال سورية يمكن أن يساعد أيضاً في مراقبة حركة الأشخاص والأسلحة عبر الحدود السورية – التركية، مما يخفف من مخاوف أنقرة من أن الأكراد في سورية سيساعدون عسكرياً الانفصاليين الأكراد و / أو الإرهابيين في تركيا». وينتهي إلى أن «القوات التركية ستكون في نهاية المطاف جزءاً من قوة حفظ السلام الدولية التي تتفاهم مع القوات الروسية الموجودة في القطاعات الغربية للبلاد، مما يحسن من احتمالات أن تتطابق موسكو مع هذا النوع من المفهوم.»

وعلى الولايات المتحدة كما يضيف «أن تساعد الأكراد على بناء قوات الشرطة المحلية بعد هزيمة داعش، كما هو متوقع كجزء من تفويض السلطات إلى المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي. ويمكن أن توفر أيضاً منصة للاستخبارات الأميركية لرصد أي تحركات للأسلحة الكردية أو المقاتلين عبر الحدود السورية التركية حتى يمكن السيطرة على هذه الحركات أو تقليصها من جانب الأتراك».

وهو لذلك في النهاية يقترح تقسيم سورية مناطقياً وموقتاً على الأقل إلى ثلاث مناطق: الشمال السوري تحت سيطرة الكرد ومن خلفها القوات الأميركية وتتقاسم النفوذ مع القوات التركية، والغرب تحت سيطرة القوات الروسية، والجنوب يبقى تحت سيطرة النظام السوري لكن تحت مراقبة وعيون إسرائيلية لحساسية هذه المنطقة لإسرائيل وتضمن روسيا المصالح الإسرائيلية هناك.

تجرى الأمور على الأرض في سورية وفق ما يعرض جزء كبير من هذا التحليل، فالولايات المتحدة تدعم القوات الكردية متمثلة في «قوات سورية الديموقراطية» وتدعم سيطرتها على مناطق عربية صرفة، مثل دير الزور والرقة، ورغم أن البيان الختامي للتحالف الدولي ضد «داعش» لم يشر أو يدعم أياً من هذه الأفكار وركز على ضمان مرحلة انتقالية في سورية عبر مفاوضات جنيف، كما تحدث عن الحاجة إلى «نهج متكامل ومتعدد الأبعاد وشامل لهزيمة تنظيم داعش وشبكاته العالمية»، إلا أننا عندما نرى كيف تتطور الأمور في سورية في المعركة ضد «داعش» فإنها بعيدة كل البعد عن هذا «النهج الشامل». كما يعلم الجميع أن «داعش» ولد كفرع من تنظيم «القاعدة» أعلن لأول مرة عن نفسه في العراق ثم اكتسب موطئ قدم في أوائل عام 2013 في سورية، وبعد السيطرة على الرقة، ركز «داعش» على السيطرة على الأراضي بدلاً من المساهمة في القتال ضد حكومة الأسد كما فعل تنظيم «القاعدة» متمثلاً في «جبهة النصرة». لهذا السبب فقدت المعارضة السورية المسلحة الآلاف في معركتها ضد «داعش»، كما أن القضاء على هذا التنظيم في هذه المعركة والتركيز فقط على القوات الكردية سيكونان بمثابة فشل كبير في الاستراتيجية برمتها، عبر تعزيز مخاوف السوريين من التقسيم وإنشاء مناطق الحكم الذاتي الكردي وغيرها، ولذلك من المهم اليوم أكثر من أي وقت مضى دعم قوات النخبة السورية (سيف) وهي جماعات من القبائل السورية بخاصة قبيلة الشعيطات التي ارتكب «داعش» بحقها الكثير من المجازر في عام 2014، وقد ساهمت قوات النخبة هذه في المعركة ضد «داعش» في العديد من المناطق السورية، كبلدة الشدادي قرب دير الزور وبلدة الكرامة قرب الرقة وتمكنت من تحريرها، رغم أنها تعد من أقوى مناطق «داعش» تحصيناً حيث يقبع بالقرب منها جبل المنخر الذي يضم أسوأ سجون «داعش» صيتاً في سورية، ولذلك فإن الاستراتيجية الأميركية في تحرير الرقة بالاعتماد على الكرد ستؤدي إلى فشل ذريع حتى لو تمكنت هذه القوات من تحرير الرقة على المدى القريب.

إذاً، رفضت الولايات المتحدة أي دور تركي في المعركة ضد «داعش» في الرقة واعتمدت فقط على «قوات سورية الديموقراطية» التي تعتبرها تركيا منظمة إرهابية بسبب ارتباطها بـ «حزب العمال الكردستاني»، فإن عملية تحرير الرقة تستغرق وقتاً أطول، وربما شهوراً، لأن تركيا ستمنع خط الإمدادات للجماعات التي تقاتل «داعش» في شمال سورية. فقد رفضت تركيا السماح للمساعدات الإنسانية والعسكرية بالمرور عبر أراضيها، حتى للمنظمات الإنسانية العاملة في المناطق التى يسيطر عليها «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي. ولا يتوقع أن تستعيد تركيا عملية بناء الثقة مع أميركا، فالشريكان في حلف شمال الأطلسي على خلاف كبير نشأ بعد معركة منبج. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن الاستنتاج البسيط هو أن الكفاح ضد «داعش» في الرقة سيتأخر أكثر من ذلك.

إذا قررت الولايات المتحدة إدراج تركيا في استراتيجيتها ضد «داعش»، لا سيما أن البيان الختامي لاجتماع التحالف الدولي يثني على عملية «درع الفرات» التي سمحت للجيش التركي بإبعاد «داعش» من الباب وجرابلس ومناطق أخرى، فإن ذلك سيفتح الباب أمام دور تركي في المستقبل بخاصة في الرقة. لكن تركيا أصرت على أنه لا يمكن أن تعمل مع «قوات الدفاع الذاتي» كشريك فى تحرير الرقة، ويجب أن يكون جيشها وحيداً جنباً إلى جنب مع مجموعات من «الجيش السوري الحر» التي تتعاون مع تركيا في عملية «درع الفرات».

على الولايات المتحدة أن تكون قادرة على التوفيق بين دور تركيا وقوات النخبة ممثلة في «سيف» (القبائل السورية) وإلا فإن المعركة في الرقة سوف تستغرق وقتاً أطول وتحتاج المزيد من الموارد، كما يجب على الولايات المتحدة أن تؤمن طرقاً لإجلاء المدنيين في الرقة، وأن تضع استراتيجية لإعادة بناء الرقة بعد تحريرها من «داعش». من دون ذلك تصبح المشاريع التي تطرح اليوم لتقسيم سورية حقيقية على الأرض.

المصدر : جريدة الحياة

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

الصندوق الأسود – حرب الديموغرافيا في سوريا

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

هل تقاسُم سوريا يعني تقسيمها ؟؟؟

د. وليد البني: كلنا شركاء

تتعدد القوى العسكرية والدول التي تحتل سوريا اليوم ، ففي حين تتقاسم الميليشيات الايرانية متعددة الجنسيات وروسيا السيطرة على الساحل والوسط ودمشق وبعض الشمال بعد سيطرتها على حلب مؤخراً ، تتقاسم تركيا والمليشيات القومية الكردية المتطرفة ، وكل من داعش والنصرة السيطرة على الشمال والشمال الشرقي للبلاد .

مشكلة السوريين في هذه الاحتلالات ان دورهم في قبولها او رفضها او مقاومتها لم يعد كبيراً ، ففيما فقد نظام مافيا الاسد اي امكانية لممارسة اي نوع من السيادة فيما يخص المناطق التي تسيطر عليها ايران وميليشياتها الطائفية و روسيا ، تنعدم نهائيا قدرة المعارضة السياسية السورية بجميع مؤسساستها على التحكم باي شيء في المناطق التي تسيطر عليها تركيا او داعش او النصرة او الميلشيات الكردية، بحيث تحولت الحرب في سوريا الى حرب لا علاقة للسوريين بها إلا من ناحية كونهم وقودها وضحاياها.

ولكن هل تقاسم سوريا بهذا الشكل القائم حاليا يعني تقسيمها بين هذه القوى؟؟.

الواقع يقول ان القوى التي تسيطر على سوريا اليوم لن يكون بإمكانها ان تتعايش مع واقع هذا التقاسُم . فالمصالح الايرانية الروسية ليست متطابقة لدرجة الدخول بشراكة دائمة في المناطق التي يسيطران عليها معا اليوم ، كما ان الاهداف التي دفعت كل منهما الى دخول هذه الحرب ودفع التكاليف الاقتصادية والبشرية للاستمرار بها ليست متقاربة ، ففي حين ترى ايران سوريا جزءاً من الهلال الممتد من طهران مرورا ببغداد وصولاً الى بيروت والذي يتيح لها الهيمنة على المنطقة العربية ومحاصرة دول الخليج العربي من الشمال وخاصة فيما لو نجحت في محاصرتها من الجنوب من خلال تثبيت نفوذها في اليمن . فإن هدف روسيا من تورطها في سوريا هو بناء قواعد عسكرية دائمة لها على شواطئ المتوسط والعودة الى الساحة الدولية كقوة عظمى تستطيع استخدام سوريا للمساومة مع الغرب والولايات المتحدة على امور أخرى في كل من اوكرانيا واوربا الشرقية ، الأمر الذي قد يضطرها يوما ما الى عقد صفقات مع الغرب لا تناسب ايران ، بل وقد يكون اضعاف ايران وتهشيمها احد بنود هذه الصفقة مقابل اعادة تقاسم جديد للنفوذ بين الولايات المتحدة الراغبة بتخفيف تواجدها في الشرق الاوسط وروسيا الراغبة في ملئ هذا الفراغ ، لذلك فإن الخلاف الروسي الايراني حول سوريا قادم لا محالة و لابد ان يحسم أحد طرفين سيطرته على المناطق التي تشكل منطقة نفوذ مشترك للطرفين .

أما المناطق الشمالية والشمالية الشرقية الخاضعة اليوم في بعض مناطقها لاحتلال تركي (اتاحه التوافق الروسي التركي من خلال صفقة تسمح فيها روسيا لتركيا بإدخال قواتها الى سوريا مقابل تخلي الاتراك عن حلب والسماح بتدميرها واحتلالها من قبل الروس والإيرانيين ) ولسيطرة ميلشيات انفصالية كردية في بعضها الآخر خاصة في بعض مناطق ريفي حلب والحسكة والمناطق المحاذية للحدود الشمالية ، وسيطرة النصرة على ادلب وداعش على الرقة ودير الزور ، فهي جميعها مناطق محتلة من قبل قوى وتنظيمات لا يمكن ان تتعايش مع بعضها ، وبالتالي لابد من حسم السيطرة عليها لطرف واحد سيكون للادارة الامريكية القادمة الدور الاكبر في تحديد من هو. لكن من المؤكد ان الامريكيين سيدعمون اي طرف مستعد لقتال كل من داعش والنصرة والمساعدة على انهاء وجودهما في المنطقة .

بالمحصلة وفي المدى المتوسط ستكون سوريا مُقسمة بحسب القوى التي تحتل اراضيها الى منطقتي نفوذ وليس على اسس دويلات او كانتونات طائفية او اثنية كما قد ترغب اسرائيل ، او بعض القوى الانفصالية ، وسيكون للترتيبات وموازين الاقليمية الدولية الدور الاكبر في تحديد زمان انهاء هذا التقسيم والأسس التي على اساسها سيتم اعادة توحيد سوريا، وهنا لابد من التنويه أن القضاء على التنظيمات التكفيرية والفصائل الداعية الى اقامة دولة على اساس ديني سيكون شرطا لازما من قبل جميع القوى الدولية لاي اعادة ترتيب للاوضاع في سوريا.

ما هو المطلوب من السوريين ؟؟؟.

١-أن يعملوا ما بوسعهم ، وبأسرع وأذكى ما يمكن على التوقف عن كونهم مجرد اتباع ومجندين لدى القوى الاقليمية والدولية التي تتقاتل من أجل السيطرة على بلادهم،

٢-أن ينبذوا جميع الأفكار والتنظيمات التي تتبنى افكارا ومشاريع تقسم السوريين على اسس دينية ، طائفية او قومية ، والتركيز على فكرة الوطنية السورية كمفهوم واقعي ممكن ان يتم تجميع السوريين حوله ،

٣-العودة الى الساحة السياسية في وطنهم كقوة ممكن ان تؤثر في توجيه مسار الاحداث والتسريع في استعادة استقلال سوريا والعمل على تحديد شكل نظامها السياسي القادم ، بحيث يضمن امن وحقوق جميع السوريين على قاعدة المواطنة الكاملة للجميع و الذي يجب ان لا يسمح بتحويل سوريا الى دولة هشة ومجتمع منقسم (كالحالتين اللبنانية والعراقية) يتيح للكبير والصغير التدخل في شؤونه والتأثير على وحدته وتماسك ابناءه .

whatsapp-image-2016-12-12-at-8-45-52-pm

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

تقسيم سوريا أم تقاسمها؟

طارق الحميد

بينما رفض نظام بشار الأسد خطة اقترحها المبعوثالدولي ستيفان دي ميستورا، وقيل إنها مقترح تركي،لإنقاذ شرق حلب بمنحها إدارة ذاتية، حذر وزيرالخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت من أن «الحربالشاملة» بسوريا قد تؤدي إلى تقسيمها، وتعزيز«داعش»، فهل نحن فعلا أمام تقسيم سوريا، أم أنناأمام عملية تقاسمها؟

منذ التدخل الروسي العسكري هناك في صيف 2015 وكثر يحذرون من خطورة تقسيم سوريا، وخصوصًامع الحديث حينها عن «سوريا المفيدة» (المناطق العلوية والجغرافية المفيدة للنفوذ الإيراني)، وضماناستمرار تأمين خطوط إمداد «حزب الله» من إيران عبر العراق، إلى سوريا، ثم لبنان. إلا أننا الآن، وبعدعودة العلاقات التركية الروسية بتنا نشهد ملامح تقاسم للنفوذ السياسي في سوريا، أكثر من كونه تقسيمًاجغرافيًا. زوار تركيا مؤخرًا يلمسون ثقة ملحوظة في أنقرة بأن الرئيس فلاديمير بوتين هو «من يملكسوريا». والجميع اليوم يتحدث عن بوتين، والدور الروسي، بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب، وآفاقالتعاون المحتملة بينهما، خصوصًا في سوريا. وهذا الحديث يسود حتى في الإعلام الإسرائيلي الذي يصورسوريا اليوم كتابعة لبوتين.

حسنًا، ماذا عن إيران؟ بكل تأكيد الأسلحة الإيرانية تتدفق لسوريا، كما القوات الإيرانية، والميليشيات الشيعيةالمحسوبة على طهران، لكن الملاحظ الآن هو أن من يتحدث عن الشأن السوري هم الروس، وليسالإيرانيون، وكل من يسعى للحلول دوليًا في سوريا يتحدث مع الروس، وعن دورهم، كما بات ملاحظًامؤخرًا خفوت صوت «حزب الله» حول سوريا، وإن تحدث حسن نصر الله فحديثه غالبًا هو لحشد صفوفحزبه، وإقناعهم بضرورة الاستمرار في التورط بالدم السوري. والأمر لا يقف عند هذا الحد بالطبع، فعندماعلق الأسد على فوز ترامب بالانتخابات الأميركية الأخيرة، فإنهأي الأسدلم يتجاهل عملية التقاسمالسياسي هذه في سوريا، حيث قال الأسد عن ترامب: «إن كان سيحارب الإرهابيين فإننا سنكون حلفاءطبيعيين له في ذلك الصدد مع الروس والإيرانيين».

وهذا دليل على أن الأسد نفسه يعترف بواقع تقاسم النفوذ في سوريا اليوم بين الروس، والإيرانيين، أضفإليهم الأتراك، وخصوصًا فيما يتعلق بحلب، والمناطق الحدودية، وإن كانت الحظوة الأكبر هي للروس الذينيملكون حضورًا عسكريًا في سوريا هو الأكبر في تاريخ تدخلهم في منطقتنا.

والسؤال الآن هو: هل يؤدي تقاسم النفوذ السياسي هذا في سوريا إلى تقسيمها جغرافيًا، أم يقود إلى تمزيقها،خصوصًا أن المعركة المرتقبة سواء في العراق، أو سوريا، بعد دحر «داعش» هي الثورة، أو الانتفاضةالسنية المتوقعة، حيث من الصعب أن تحكم الأغلبية السنية من قبل أقليات مدعومة من «محتل» روسي، أوإيراني، لدعم قاتل مثل الأسد؟ أعتقد أننا أقرب إلى التفتيت، بل الانهيار، وكما حدث في أفغانستان، وأتمنىأن أكون مجرد متشائم.

المصدر: الشوق الأوسط

تقسيم-سوريا-800x400

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق

التغيير الديموغرافي بين زمنين

Syria_Ethno-religious_composition.

فايز سارة

تصاعد الاهتمام بقضية التغيير الديموغرافي في سوريا في الفترة الأخيرة في المستويين السوري والدولي، خصوصًا في ظل عمليات التهجير القسري الذي يواصله نظام الأسد وحلفاؤه في المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق، وترحيلهم إلى مناطق أخرى، وهي سياسة تكمل عمليات التهجير الواسعة، التي دفعت ملايين السوريين للخروج من مدنهم وقراهم، والانتقال إلى مناطق أخرى، فيما غادر سوريا أكثر من خمسة ملايين نسمة إلى الخارج، الأمر الذي يعني تغييرات عميقة في البنية السكانية لسوريا، ليس لناحية عدد السكان فقط، وإنما لهوياتهم السياسية والاجتماعية والثقافية، ومما يزيد الأمر خطورة، أنه في الوقت الذي يتم فيه إجبار سوريين على الخروج من سوريا، أو الانتقال من موطن مولدهم وإقامتهم، يتم استقدام آخرين إلى مناطق الإخلاء، وإسكانهم فيها في إطار عملية التغيير الديموغرافي الحالية.

وبالعودة إلى عملية التغيير الديموغرافي، يمكن القول إنها ليست جديدة. وقد بدأت مع مجيء بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، والأهم فيها قيام الإيرانيين بشراء أراضٍ وعقارات واستئجار أخرى بالقرب مما يصفونه بـ«المزارات الشيعية» المعروفة، مثل مقام السيدة زينب جنوب دمشق، أو تلك التي «اكتشفوها» في مناطق متعددة من الأراضي السورية، ومنها مقام السيدة رقية بنت الحسين في دمشق القديمة، ومقام أويس القرني في الرقة، ومقام النبي هابيل في ريف دمشق الغربي على طريق دمشق/ الزبداني. وعبر بوابة المزارات، أخذت تظهر ملامح شيعية إيرانية في مناطق سورية عدة عبر ثلاثة من المظاهر؛ أولها توسيع تلك المزارات وإعطاؤها طابعًا معماريًا ومذهبيًا خاصًا، والثاني افتتاح مكاتب وحوزات دينية للشيعية الإيرانية ومن يدور في فلكها، والثالث إقامة وتطوير بنية سكانية وأنشطة اقتصادية، ترتبط بتلك المزارات والقادمين إليها، وكان المثال الأوضح في دمشق، حيث تحولت مدينة السيدة زينب بأغلبيتها السنية إلى مدينة ذات أغلبية شيعية، وصار الوجود الشيعي ظاهرًا في محيط مقام السيدة رقية في منطقة العمارة بوسط دمشق القديمة.

ورغم استمرار هذا الخط بشكله الاجتماعي – الاقتصادي والثقافي، وبالتالي السياسي من عملية التغيير الديموغرافي، فقد خلق الصراع المسلح في سوريا خطًا آخر موازيًا من طبيعة أمنية عسكرية، والإشارة تتصل غالبًا، بما قام به «حزب الله» والنظام في الخط الممتد على الحدود السورية – اللبنانية في محافظتي حمص وريف دمشق الغربي. ومنذ بداية الصراع المسلح، عمل «حزب الله» والنظام على تدمير مدن وقرى هذا الخط بالهجوم على قصير حمص، وتهجير سكانها، واستيطان «حزب الله» بمسلحيه وعائلاتهم فيها، وبناء معسكر لتدريب الأطفال على القتال، وضمهم إلى قواته، وجرى اتباع المسار نفسه تقريبًا في التعامل مع مدينة يبرود، التي تحولت إلى قاعدة عسكرية وسكنية لـ«حزب الله» في القلمون الغربي، فيما كانت ميليشياته بمشاركة قوات النظام، توسع نشاطها غرب دمشق، وتحاصر مدنًا وقرى، منها الزبداني ومضايا، التي جرى في العام الماضي ترحيل أغلب سكانها قسريًا، مما مهد فعليًا لإحلال مستوطنين مكانهم باستقدام سكان من بطانة «حزب الله» ومؤيديه، وهو الأمر المنتظر في داريا، التي تم ترحيل من تبقى من سكانها أخيرًا.

ورغم أن لهذا الخط نفس هدف الخط السابق من تأمين وجود اجتماعي – اقتصادي وثقافي وبالتالي سياسي، فإنه يزيد عليه هدفًا في غاية الأهمية، وهو هدف أمني – عسكري، أساسه سيطرة شيعية مؤيدة لنظام الأسد وإيران على جانبي الحدود السورية – اللبنانية، وتأمين طريق دمشق – شتورا وصولاً إلى بيروت.

وإذا كانت عملية التغيير الديموغرافي، قد أظهرت استهداف المسلمين السنة، باعتبارهم أكثرية سكان المدن والقرى، التي كانت موضع تهجير قسري، فإن الأمر لم يقتصر على هؤلاء وحدهم، كما تدلل الوقائع. ففي القصير ويبرود، كما في الزبداني ومضايا وداريا سكان من المسيحيين السوريين، جرى ترحيلهم قسريًا أيضًا في إطار السيطرة الأمنية – العسكرية على المناطق الحساسة، وهذا ما جرى ويجري العمل عليه في قلب العاصمة دمشق، إذ تتواصل ضغوطات على المسيحيين في أحياء القيمرية وباب توما المجاورين لحي الأمين الذي تعيش فيه أغلبية شيعة دمشق لبيع بيوتهم والخروج من المنطقة، كما يجري الاستيلاء على البيوت، التي خرج منها سكانها لسبب أو لآخر، وإحلال آخرين مكانهم في إطار تشييع المنطقة كلها، وقد تعرضت مدينة السويداء، التي تسكنها أغلبية من الدروز السوريين في العامين الأخيرين إلى حملة تغيير سكاني، عبر سعي لشراء بيوت وعقارات فيها بأسعار خيالية، بهدف خلق نواة لاستيطان «شيعي» موالٍ لنظام الأسد وإيران، لكن انتباه أهالي السويداء، حد من تحقيق هذا الهدف، وتتكرر بعض تفاصيل هذه الظاهرة في كثير من المدن الخاضعة لسيطرة النظام في دمشق وطرطوس واللاذقية.

وكما يتنوع السكان الذين يستهدفهم التغيير الديموغرافي، فإن الذين يحلون مكانهم متنوعون أيضًا، فإضافة إلى عناصر الميليشيات الطائفية من «حزب الله» اللبناني إلى حركة النجباء والفاطميين وغيرها من العراقيين والميليشيات الأفغانية والإيرانية وعائلاتهم الذين يحلون مكان السكان المرحلين قسريًا، فإن السلطات السورية فتحت الأبواب لمؤيديها من الجنسيات العربية والأجنبية للحصول على الجنسية السورية، لتمكينهم من شراء الأراضي والعقارات، والانخراط في الأعمال الاستثمارية، الأمر الذي يجعلهم جزءًا من التغييرات الديموغرافية الحالية.

إن عملية التغيير الديموغرافي بما تمثله من مسارات أغلبها دموي وله طابع الإكراه، ومن أهداف أبرزها دعم نظام الأسد وحليفه الإيراني وميليشياته، تمثل واحدة من أخطر جرائم الصراع السوري، بل إنها فتحت الباب واسعًا أمام قوى التطرف، وفي مقدمتها «داعش»، لممارسة هذه السياسة وتعميمها في أنحاء مختلفة من البلاد، مما جعل سوريا ميدانًا لتغيير ديموغرافي متسارع، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وتواصل الصراع المسلح لفترة أطول، الأمر الذي يتطلب تحركًا دوليًا لوقف عمليات التغيير الديموغرافي ومحاسبة المجرمين القائمين عليه وفق مضامين القانون الدولي والإنساني.

المصدر: جريدة الشرق الأوسط

نُشِرت في Uncategorized | أضف تعليق